التضخم المستورد ينشأ بسبب اعتماد الدولة على السلع والخدمات المستوردة من الخارج، فعندما تكون الدولة المصدرة لهذه السلع والخدمات تعاني أصلا من التضخم، فإن هذا التضخم ينتقل إلى الاقتصاد المحلي عن طريق السلع والخدمات المستوردة. ولنأخذ مثالا على ذلك الأرز المستورد من الهند، فارتفاع سعره ليس محليا بسبب التجار، بل هو من المنتجين والمصدرين أنفسهم نتيجة التضخم في الهند، فانتقل التضخم إلينا تلقائيا وزاد سعر الأرز، وقس عليها بقية السلع. وتتمحور أسباب ارتفاع وتضخم أسعار المواد الغذائية عالميا حول عدد من النقاط الجوهرية التي يأتي في مقدمتها التغير المناخي، وبسبب التغير المناخي ستشهد بعض الدول ذات الكثافة السكانية العالية والمكتفية غذائيا مخاطر حقيقية في الغذاء؛ كالهند وبنجلادش وباكستان ــ على سبيل المثال ــ والتي تصدر جزءا من إنتاجها الغذائي، وستتضاعف أسعار المواد الغذائية بحلول 2030 في جميع أنحاء العالم. كما أن الحرائق التي تحدث في الغابات والمناطق الزراعية بسبب التغيرات المناخية تشكل تحديا سنويا قصير الأمد؛ فهذه روسيا منعت قبل أكثر من سنة تصدير القمح بسبب الحرائق التي عانتها، ما أدى إلى ارتفاع في أسعار القمح في حدود 50 في المائة في ظرف أربعة أشهر فقط. ويأتي أيضا في مقدمة أسباب تضخم أسعار الغذاء في العالم استخدام المحاصيل الزراعية في الوقود الحيوي (أهم المحاصيل المستخدمة لإنتاج الوقود الحيوي الذرة وفول الصويا واللفت وقصب السكر وقشر الأرز وزيت النخيل وبقايا الحيوانات والخشب والسماد وغيرها)، حيث إن سياسة الولايات المتحدة تتجه إلى استخدام 15% من إنتاج الذرة العالمي في إنتاج الوقود الحيوي، كما تشير التقديرات أيضا إلى أن 25% من إنتاج الحبوب في الولايات المتحدة عام 2010 استخدمت من قبل منتجي الوقود الحيوي ومن الأسباب الرئيسة الأخرى المساهمة في تضخم أسعار المواد الغذائية انخفاض معدل نمو الإنتاج الغذائي في العالم، حيث إن معدل نمو الإنتاج الغذائي في السنوات العشر الماضية كان في حدود 2.4%، بينما تشير تقديرات الفاو إلى أن نمو الإنتاج الزراعي في السنوات العشر المقبلة سيكون في حدود 1.7%. ومن الأسباب المهمة التي تساهم بشكل مؤثر في تضخم أسعار الغذاء في العالم تغير العادات الغذائية في الدول النامية نتيجة ظهور الطبقة المتوسطة، والتي أصبحت تستهلك كميات أكبر من الغذاء بسبب الوفرات المالية التي بحوزتها. ومن أسباب التضخم المستورد انخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية، وهذا ما يحدث لعملتنا المحلية والمرتبطة بالدولار عندما ينخفض الدولار مقارنة بالعملات الأخرى. ولذلك يمكن القول إن الطريقة الملائمة والمتاحة اليوم أمامنا لاحتواء التضخم المستورد هو في رفع قيمة الريال، كما فعلنا في الثمانينيات عندما هبطت أسعار النفط إلى مستويات متدنية صاحبها عجوزات في الميزانية السعودية، فأصدر الملك فهد ــ رحمه الله ــ حينها توجيهاته برفع قيمة الريال من 2.90 ريال أمام الدولار إلى 3.25 ثم لاحقا 3.75 وعلى عدة مراحل لكي يتسطيع الاقتصاد السعودي أن يتماشى مع تلك الحقبة.